وذلك الأب فقد والده ايضا
ولابد للخلف أن يقيم مراسم الحداد فترة من الزمن
وفاء بحق الاباء على البنين
غير ان الإصرار على الحزن والإمعان فيه
خطة تنطوي على العناء البعيد عن الإيمان
إنه حزن لا يتسم بالشهامة والرجولة .
ويكشف عن إرادة عاصية لاحكام السماء
وقلب غير عامر بالإيمان وعقل ساخط ضجر .
وينم عن فهم ساذج لم يثقف .
لماذا تعترض بحماسة وتذهب نفسنا حسرات
على امر نعلم أنه لا مفر منه
وانه أكثر شيوعا وانتشارا من أي شيء نعرفه .
وان هذا المسلك لإثم في حق السماء
وإثم في حق الموتى ، وإثم في حق نظام الكون
وهو أمر بادي السخف في نظر العقل
الذي يقرر دائما ان موت الآباء أمر شائع
ولطالما نادى العقل منذ أول ميت إلى آخر من لقي حتفه اليوم :
" هــذا مــا لابد منه ..."
لهذا نرجوك ان تطرح هذه الاحزان التي لا تجدي
واعتبرنا لك بمثابة الوالد . وليعلم العالم كله
أنك أدنى الناس لوراثة عرشنا .,
وان ما نكنه لك من الحب المجيد
لا يقل عما يكنه صدر الوالد البر بولده
أما رغبتك في أن تعود إلى الدراسة في وتنبرج
فإنه مخالف أشد المخالفة لإرادتنا
وإنا لنرجوك أن تغير رأيك وتظل هنا
وتنعم وتسهد برعايتنا وعنايتنا
وأنت أسمى حاشيتنا مقاما ، وقريبنا وابننا
الملكة : لا تضيع توسلات أمك يا هاملت
أرجوك أن تبقى معنا ، ولا تذهب إلى ويتنبرج .
هاملت : سأفعل كل ما في وسعي لإطاعتك يا مولاتي .
الملك : حبذا هذا من رد ينطوي على المحبة والحسن .
فلتكن كمثلنا في دانمركة (1) هلمي بنا يا سيدتي
إن هذا القبول الرقيق الذي أبداه هاملت عن رضا
ليملأ قلبي ابتساما ، فما أجدر ملك دانمركة اليوم أن يحتفل به .
لا يتناول أقداح الراح في خفة ومرح .
بل تندفع معها المدافع الضخمة حتى تبلغ السحاب .
فتردد السماء صدى احتفال الملك وشكره .
بصوت عال كأن الرعد القاصف . هلموا بنـــا .
يخرج الجميع ما عدا هاملت
هاملت : ليت هذا الجسد الصلب الشدي التجلد ، يذوب .
ويتحلل حتى يستحيل ندى !
أو ليت الإله الأبدي لم بقض قضاءه الصارم
بتحريم الإقدام على قتل المرء نفسه
رحماك اللهم . لشد ما تبدو وتقاليد هذا العالم
بالية عتيقة ، لا تستساغ ولا تجدي نفعا
فما أحقر الدنيا ! وإن هي إلا حديقة
لم تستأصل حشائشها الضارة فنمت واستكملت بذورها
فانتشر فيها كل ما في الطبيعة من نبات وحشي غليظ
حتى استولى عليها واستأثر بهـــا
أيمكن ان يصل الأمر إلى هذا الحد . ولما يمض شهران على موته
بل اقل من شهرين وكان ملكــا .. أي ملك
لو قورن بهذا لكان مثل هيبريون إذا قورن بالتيس (2)
لشد ما كان يحب أمي حتى يأبى على نسيم السماء
أن يلامس وجهها بخشونة . فيا للسماء ويا للأرض .
هل أظل ذاكرا كل هذا ؟ لقد كانت تتشبث به هي تعانقه
وكان غرامها ينمو ويزداد
بما يتغذى به من حبه ووفائه
ومع ذلك لم يكد بمضي الشهر – ليتني أكف عن التفكير في هذا الأمر .
ايها الضعف ، إنك خليق أن تسمى امرأة (3)
بعد شهر صغير وقبل ان يبلى النعلان
اللذان سارت بهما وراء نعش والدي المسكين
وهي تسكب الدمع مدرارا . كما فعلت نيوبي (4)
ثم هي بعد ذلك – حتى هي !- تبركت اللهم
إن الحيوان الذي يعوزه العقل والتفكير
لخليق أن يكون حداؤه اطول – ثم تتزروج عمي .
عمي . شقيق أبي . وليس بينه وبين أبي من الشبه
أكثر مما بيني وبين هرقل (5) تزوجته في غضون الشهر .
تزوجت قبل أن يشفى محاجرها الملتهبة
من الدمع الكاذب الذي ذرفته
فيالها من سرعة تنطوي على الإثم
إذ تمضي بمثل تلك العجلة إلى فراش دنس خبيث
إن هذا الشر لا يمكن أن يؤدي إلى خير
لكن تحطم ايها القلب فلابد ان ألزم الصمت .
يدخل هوراشيو وبرناردو ومرسيلوس
هوراشيو : حييت ايها المولى !
هاملت : يسرني أن أراكم في صحة وعافية .
أهذا هوراشيو أم تخدعني الذاكرة .
هوراشيو : بل هو بعينه وخادمك الخاضع دائما !
هاملت : بل انت صديقي الكريم / وحبذا لو تبادلنا هذا الاسم (6)
وماذا تفعل بعيدا عن جامعة ويتنبرج ؟
اهذا مرسيلوس ؟
مرسيلوس : مولاي الكريم .
هاملت : إن سروري لرؤيتك كبير .. (لبرناردو ) عم مساء!
ولكن ماذا تصنع بعيدا عن جامعة ويتنبرج ؟
هوراشيو : نزعة على الهرب من المدرسة ، ايها المولى الكريم .
هاملت : إني لن أدع عدوك يقول هذا عنك .
كذلك لن أسمح أن تجشم أذني مالا تحتمل
إذ تطلب منها أن تصدق اتهامك لنفسك .
لست أنت الذي يهرب من المدرسة
فما الذي جاء بك إلى غلسيونر ؟
سأعلمك كيف تشرب الكؤوس المترعة قبل أن تفارقنا
هوراشويو : حضرت يا مولاي لأحضر جنازة أبيك .
هاملت : أستحلفك بالله يا زميلي في الدراسة ألا تسخر مني
إنك ما جئت إلا لتشهد زواج أمي .
هوراشيو : حقا يا مولاي . لقد تلاه مباشرة .
هاملت : ذلك لأجل الاقتصاد يا هوراشيو
فإن اللحوم التي شويت لأجل المناحة
قدمت باردة على موائد العرس .
أهون علي أن ألقى ألد اعدائي في السماء
من ان اشهد ذلك اليوم يا هوراشيو
ابي .. لكأني أرى أبي الآن !
هوراشيو : أين يا مولاي ؟!
هاملت : أراه بعين خيالي . مرتسما في ذهني .
هوراشيو : لقد رايته مرة من قبل ياله من ملك جليل !
هاملت : كان من جميع الوجوه مثال الرجولة الكاملة .
هيهات أن ارى له شبيها بعد اليوم
هوراشيو : إني رايته مساء أمس يا مولاي ؟
هاملت : رايت من ؟
هوراشيو : رايت مولاي والدك الملك .
هاملت : والدي الملك ؟
هوراشيو : اجعل دهشتك ممزوجة بالانتباه إلي
حتى اقص عليك نبأ هذه المعجزة
وهذان السيدان شاهدان علي
_________________